المقدمة
إذا دققنا النظر في مصطلح " القراءة " ، نجده مصدرا قياسيا للفعل الثلاثي " قرأ " ، على وزن " فعالة " لدلالته على " حرفة " ، وإذا تتبعنا استعماله في المعجم اللغوي العربي ، نجده حظي من العناية ، وكثرة التداول والتكرار بما لم يحظ مصطلح آخر . فكلمة اقرأ في حد ذاتها كلمة الاتصال بين جبريل الملك المبلغ عن ربه ، وبين الرسول الكريم محمد بن عبد الله سيد البشرية وخاتم الرسل والأنبياء عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، حيث قال تعالى { اقرأ باسم ربك الذي خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم } .
وقد تكرر هذا المصطلح بألفاظه المختلفة في القرآن الكريم سبع عشرة مرة مما يدل على عناية الإسلام به وتكريمه له . ومن حق هذه الكلمة علينا كمسلمين ودارسين أن نكرمها ونعتني بها ونعيشها واقعا في حياتنا ؛ لأنها سبيلنا إلى التحضر والرقى والرفعة ، وهى قنطرة الحاضر إلى الماضي ، حيث تنتقل عبرها التجارب والخبرات السابقة إلينا ، وهى البنية الوحيدة التي تستطيع أن تنقل خطانا ثابتة إلى المستقبل المضيء .
وعندما نتحدث عن مصطلح " القراءة " في مدارسنا ، ومؤسساتنا التعليمية ، فإننا نتحدث عن قصة هجر وإهمال لهذه الكلمة ، بينما تعد القراءة عند الناطقين بالضاد واجبا مفروضا ، وإحدى وسائل مضاعفة الأجر والثواب ، فكل حرف نقرؤه من كتاب الله الكريم نجزى عليه بعشر حسنات كما أخبرنا الصادق الأمين نبي البشرية عليه الصلاة والسلام .
والقراءة في خطتنا الدراسية تحتاج إلى وقفة متأنية ، لمعالجة أوضاعها ، من حيث أقسامها ، ومزايا كل قسم ، ومهاراتها ، وكيفية إكسابها الناشئة . وهى مهارة أساس من ضمن أربع مهارات يقوم عليها البناء اللغوي عند الإنسان ؛ وهى : القراءة ، والكتابة ، والاستماع ، والتحدث . وسوف نفرد بمشيئة الله لكل مهارة محاضرة مستقلة ، وسيكون حديثنا في هذه المحاضرة منصبا على مهارة الاستماع ؛ وذلك حسب التسلسل الذي يسير عليه تعلم اللغة وهو : الاستماع ، ثم التحدث ، ثم القراءة ، ثم الكتابة .
تعريف المصطلحات :
1 ـ المهارة :
توفر القدرة اللازمة لأداء سلوك معين بكفاءة تامة وقت الحاجة إليه . كالقراءة والكتابة ، ولعب الكرة ، والسباحة ، وقيادة السيارة وما إلى ذلك .
2 ـ السماع :
مجرد التقاط الأذن لذبذبات صوتية من مصدرها دون إعارتها أي انتباه ، وهو عملية سهلة غير معقدة ، تعتمد على فسيولوجية الأذن ، وسلامتها العضوية ، وقدرتها على التقاط الذبذبات .
3 ـ الإنصات :
تركيز الانتباه على ما يسمعه الإنسان من أجل تحقيق غرض معين .
4 ـ الاستماع :
مهارة معقدة يعطي فيها الشخص المستمع المتحدث كل اهتماماته ، ويركز انتباهه إلى حديثه ، ويحاول تفسير أصواته ، وإماءاته ، وكل حركاته ، وسكناته .
من المفاهيم السابقة نستنتج أن السماع عملية فسيولوجية تولد مع الإنسان وتعتمد على سلامة العضو المخصص لها وهو الأذن . في حين يكون الإنصات والاستماع مهارتين مكتسبتين . والفرق بين الإنصات والاستماع : اعتماد الأول على الأصوات المنطوقة ليس غير ، بينما يتضمن الاستماع ربط هذه الأصوات بالإماءات الحسية والحركية للمتحدث .
شروط الاستماع الجيد : ـ
لصعوبة مهارة الاستماع ، واعتمادها على عدد من أجهزة الاستقبال ، لا يمكن تحققها إلا بتوفر عدة شروط ، أهمها : ـ
1 ـ الجلوس في مكان بعيد عن الضوضاء .
2 ـ النظر باهتمام إلى المتحدث ، وإبداء الرغبة في مشاركته .
3 ـ التكيف ذهنيا مع سرعة المتحدث .
4 ـ الدقة السمعية التي بدونا تتعطل جميع مهارات الاستماع .
5 ـ القدرة على التفسير ، والتمثيل اللذين عن طريقهما يفهم المستمع ما يقال .
6 ـ القدرة على التمييز بين الأصوات المتعددة ، والإيماءات المختلفة .
7 ـ القدرة على التمييز بين الأفكار الرئيسة ، والأفكار الثانوية في الحديث .
8 ـ القدرة على الاحتفاظ بالأفكار الرئيسة حية في الذهن .
أهداف تدريس الاستماع
1 ـ تنمية قدرة التلاميذ على متابعة الحديث .
2 ـ تمييز التلاميذ بين الأصوات المختلفة .
3 ـ تمييز التلاميذ بين الأفكار الرئيسة ، والثانوية .
4 ـ تنمية قدرة التلاميذ على التحصيل المعرفي .
5 ـ الربط بين الحديث ، وطريقة عرضه .
6 ـ تنمية قدرة التلاميذ على تخيل المواقف التي تمر بهم .
7 ـ استخلاص التلاميذ النتائج مما يستمعون إليه .
8 ـ استخدام التلاميذ سياق الحديث لفهم معاني المفردات الجديدة عليهم .
9 ـ تنمية بعض الاتجاهات السلوكية السليمة ، كاحترام المتحدث ، وإبداء الاهتمام بحديثه ، والتفاعل معه .
مهارات الاستماع
قسم التربويون مهارات الاستماع إلى أربعة أقسام رئيسة هي :
أولا : مهارات الفهم ودقته ، وتتكون من العناصر الآتية :
1 ـ الاستعداد للاستماع بفهم .
2 ـ القدرة على حصر الذهن ، وتركيزه فيما يستمع إليه .
3 ـ إدراك الفكرة العامة التي يدور حولها الحديث .
4 ـ إدراك الأفكار الأساس للحديث .
5 ـ استخدام إشارات السياق الصوتية للفهم .
6 ـ إدراك الأفكار الجزئية المكونة لكل فكرة رئيسة .
7 ـ القدرة على متابعة تعليمات شفوية ، وفهم المقصود منها .
ثانيا : مهارات الاستيعاب ، وتتكون من العناصر التالية : ـ
1 ـ القدرة على تلخيص المسموع .
2 ـ التمييز بين الحقيقة ،والخيال مما يقال .
3 ـ القدرة على إدراك العلاقات بين الأفكار المعروضة .
4 ـ القدرة على تصنيف الأفكار التي تعرض لها المتحدث .
ثالثا : مهارات التذكر ، وعناصرها كالتالي : ـ
1 ـ القدرة على تعرف الجديد في المسموع .
2 ـ ربط الجديد المكتسب بالخبرات السابقة .
3 ـ إدراك العلاقة بين المسموع من الأفكار ، والخبرات السابقة .
4 ـ القدرة على اختيار الأفكار الصحيحة ؛ للاحتفاظ بها في الذاكرة .
رابعا : مهارة التذوق والنقد ، وتتصل بها العناصر الآتية : ـ
1 ـ حسن الاستماع والتفاعل مع المتحدث .
2 ـ القدرة على مشاركة المتحدث عاطفيا .
3 ـ القدرة على تمييز مواطن القوة ، والضعف في الحديث .
4 ـ الحكم على الحديث في ضوء الخبرات السابقة ، وقبوله أو رفضه .
5 ـ إدراك مدى أهمية الأفكار التي تضمنها الحديث ، ومدى صلاحيتها للتطبيق .
6 ـ القدرة على التنبؤ بما سينتهي إليه الحديث .
تنمية مهارات الاستماع
هذه مجموعة من المقترحات التي نأمل أن تسهم في تنمية هذه المهارات الهامة ، مع ضرورة التنبه إلى أن هذه المقترحات تخضع في تنفيذها لعدد من الاعتبارات أهمها : ـ
ا ـ نوعية الأهداف السلوكية المطلوب تحقيقها ، وصياغتها صوغا إجرائيا .
ب ـ حسن إعداد البيئة التعليمية .
ج ـ مناسبة تلك البيئة لمستوى التلاميذ المهاري والمعرفي .
وأهم هذه المقترحات هو :
أولا : كيفية تنمية مهارة التمييز بين الأفكار الرئيسة ، والأفكار الثانوية : ـ
1 ـ يقوم المعلم بعرض تسجيل لحوار معين ، أو قراءة جزء من موضوع ما ، ويطلب من التلاميذ :
ـ ذكر أسماء أشخاص الحوار .
ـ ذكر أكبر قدر من الحقائق التي استمعوا إليها .
ـ ترتيب الحقائق حسب ورودها في الحوار .
ـ ذكر المشاعر التي أثارها الحوار لديهم ، ومدى معايشتهم لها .
ـ ذكر المفردات التي لفتت انتباههم .
ـ ذكر التراكيب التي أعجبتهم .
ـ بيان أسلوب الحديث والوسائل التي استعان بها الكاتب في عرض أفكاره ؛ من طول أو قصر الجملة ، استخدام صور التوكيد ، التشبيهات أو الاستعارات ، الصور البديعة المختلفة .
ـ بيان العلاقة بين انفعال المتحدث وطريقة تعبيره .
2 ـ كيفية تنمية قدرة التلاميذ على فهم معاني المفردات الصعبة ، واستخدامها في تراكيب مفيدة : ـ
ـ كتابة معاني الكلمات الصعبة على السبورة .
ـ استعانة التلاميذ بالسياق في فهم معاني بعض الكلمات الجديدة .
3 ـ كيفية تنمية القدرة على متابعة الحديث ، وربط عناصره بعضها ببعض : ـ
ـ قراءة نص مكون من عدة فقرات مترابطة .
ـ مناقشة التلاميذ في الأفكار الواردة في الموضوع .
ـ تكليف التلاميذ وضع عناوين لفقرات الموضوع .
ـ مناقشة التلاميذ في العلاقة بين مقدمة الموضوع وخاتمته .
أسس تدريس الاستماع
أولا : الانتباه : ـ
من المطالب الرئيسة لسمع الرسالة وتفسيرها ، وتحديد السلوك المترتب عليها .
ثانيا : التخلص من المشتتات الشعورية واللاشعورية ، كالبعد عن مصادر الضوضاء ، والاستماع للمتحدث بدلا من الرسالة ، والمستمع الكفء هو من يقدر أهمية الاستماع الفعال ، ويعلم أنها تنقص كلما كان المستمع يعانى من متاعب جسدية أو نفسية .
ثالثا : التدريس الفعال الذي يزيد من وعى التلاميذ بأساليب توجيه الانتباه ، وتجنب عوامل التشتت الذهني .
رابعا : استرجاع الخبرات السابقة له أكبر الأثر في فهم الموضوع وتفسيره .
خامسا : تكوين مهارة الاستماع النقدي بالتدريب على اكتشاف المتناقضات ، وأساليب الدعاية ، وأهداف المتحدث .
سادسا : التدريب الجيد على فهم معاني الكلمات من السياق ، حيث يتعذر على المرء استعمال القاموس أثناء الاستماع .
سابعا : مما يعوق الاستماع أن تفكير المستمع يسبق المتحدث ، مما يتطلب من المستمع توظيفه في إبعاد المشتتات ، وخدمة الاستماع الفعال .
خطوات درس الاستماع
التمهيد :
تهيئة أذهان التلاميذ لدرس الاستماع ، وذلك بإيضاح أهمية الدرس ، وطبيعة المادة العلمية التي ستقدم إليهم ، ثم تعيين المهارة التي يراد التدريب عليها ، كاستخراج الأفكار الأساسية ، والتمييز بينها وبين الأفكار الثانوية .
العرض :
ـ تقديم المادة وما يتناسب والهدف المراد تحقيقه ، كالإبطاء أو الإسراع في القراءة ، أو التوقف قليلا عند نهاية الفقرة ، وما إلى ذلك .
ـ توفير كل ما يمكن أن يساعد على تحقيق أهداف الدرس ، كتوضيح معاني الكلمات الجديدة ، أو المصطلحات غير المألوفة ، والابتعاد عن مواطن التشتت الذهني .
ـ مناقشة التلاميذ فيما استمعوا إليه ، بوساطة طرح الأسئلة التي توصل إلى تحقيق الأهداف .
ـ تقويم التحصيل بطرح أسئلة أكثر عمقا ، لها ارتباط في صياغتها بالأهداف السلوكية ، التي سبق تحديدها عند إعداد الدرس . ويشترط في هذه الأسئلة أن تكون شاملة لجميع الأهداف ، وقادرة على قياس ما وضعت له فقط .
توجيهات عامة في تدريس الاستماع : ـ
1 ـ ينبغي للمعلم أن يكون دائما قدوة لتلاميذه ، وفى درس الاستماع ينبغي على التلاميذ أن يقتدوا بمعلمهم في حسن الانتباه ، والإنصات ، وعدم مقاطعة المتحدث ، أو القارئ قبل أن ينتهي إلا لتنبيهه إلى خطأ لا يجوز السكوت عنه .
2 ـ التخطيط الجيد للدرس ، ووضوح الأهداف المطلوب تحقيقها بدقة متناهية .
3 ـ انتقاء النصوص الشيقة الملائمة لمستوى التلاميذ ، واختيار المواقف اللغوية المعينة على تحقيق الأهداف المنشودة .
4 ـ تهيئة الإمكانات المساعدة على تحقيق الأهداف ، كالبعد عن الضوضاء ، والإلقاء الجيد ، واستخدام الوسائل التعليمية الملائمة .
إحصائيات تتعلق بالاستماع : ـ
أولا : تبث من خلال الأبحاث العلمية أن الفرد العادي يستغرق في الاستماع ثلاثة أمثال الوقت الذي يمضيه في القراءة .
ثانيا : أجرى أحد الباحثين دراسة في العلاقة بين المهارات اللغوية ، ومدى ممارسة كل منها ، فتوصل إلى النتائج التالية : ـ
1 ـ يستمع المرء يوميا بمقدار يعادل كتابا متوسط الحجم .
2 ـ يتحدث بما يعادل كتابا كل أسبوع .
3 ـ يقرأ ما يساوى كتابا كل شهر .
4 ـ يكتب ما يعادل كتابا كل عام .
ثالثا : استطلع أحد الباحثين نخبة من المعلمين حول ما يتعلمه الأطفال عن طريق الاستماع ، فكانت النتيجة ما يلي : ـ
1 ـ أن الأطفال يتعلمون عن طرق القراءة بنسبة 35 % من مجموع الزمن المخصص للتعلم .
2 ـ يتعلمون عن طريق الكلام والمحادثة بنسبة 22 % من مجموع الزمن المخصص للتعلم .
3 ـ يتعلمون عن طريق الاستماع بنسبة 25 % من مجموع الزمن المخصص للتعلم .
4 ـ ويتعلمون عن طريق الكتابة بنسبة 17 % من مجموع الزمن المخصص للتعلم .
وأخيرا وبعد أن علمنا ما لمهارة الاستماع من أهمية بالغة في رفع مستوى التحصيل الدراسي لدى التلاميذ ، نأمل من إخواننا المعلمين أن يستثمروا هذه المهارة ويوظفوها فيما يعود على أبنائنا التلاميذ بالنفع والفائدة ، والله الموفق .
تم بحمد الله
إعداد المشرف والمطور التربوي
الدكتور : مسعد محمد زياد