السؤال
سؤالي قد يكون عامًا لكنه مهم جدًا.. كيف أعلم ابنتي (5 سنوات) التفكير الصحيح، واتخاذ القرار، والاختيار والمفاضلة، والتقييم؟
أنا لا أعرف ما هو التفكير الصحيح.. هل هو ما نقوم به؟ أم أن له معنى آخر؟ ولعل ما أثار ذلك في نفسي حديث الكثيرات عن التعليم بالخارج الذي يركز على مسألة التفكير قبل القراءة أو الكتابة. فأحب أن أعرف ما هو هذا المنهج الذي يعلم التفكير وكيف نربي أبناءنا عليه؟
الإجابة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخت الكريمة،
شكرا جزيلا على سؤالك الواعي.. خاصة أني ألمح فيه بوادر استعداد حقيقي لنشر هذا الخير والعمل على عمومه، حتى وإن حرمنا منه في مناهجنا المقررة.
وها أنت تثبتين إمكانية الفعل من الأفراد لسد جزء من الفجوات الكثيرة التي في حياتنا. فقد آن الأوان لأن نتحرك كأفراد نحو تحسين جودة الحياة التي نحياها.. نعم هناك بعض الصعوبات التي قد تعترض طريق نشر هذا الخير وتطبيقه، ولكن مما لا شك فيه أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. فهيا معا نغير ما بأنفسنا..
وقد تكرمت بالسؤال الذي أنتظره منذ وقت طويل. وأود أن أقسّم استشارتك لمجموعتين من الأسئلة:
المجموعة الأولى:
- هل التفكير يعلّم؟ وكيف نعلم التفكير؟
- وهل هناك مناهج لذلك؟
المجموعة الثانية، وهي مجموعة أهم من الأسئلة:
- كيف يمكننا أن نفعل ذلك رغم أننا محرومون منه في مناهجنا الدراسية؟ وحال التعليم في بلداننا ليس بخاف على أحد. وثقافتنا التربوية تعتمد الصدفة و"التساهيل" منهجا لها.
- وهل يمكننا أن نسد هذه الفجوة لدينا؟ وكيف؟
وأبدأ بالأولى:
يقول جون هولت: "ليس علينا أن نجعل البشر أذكياء، فهم يخلقون كذلك، وكل ما علينا هو التوقف عن ممارسة ما يجعلهم أغبياء" (1982م).
وهناك حاجة للتفريق بين مفهومي التفكير ومهارات التفكير. ذلك أن التفكير عملية كلية نقوم عن طريقها بمعالجة عقلية للمدخلات لتكوين الأفكار أو الحكم عليها. وهي عملية تتضمن: الإدراك، والخبرة السابقة، والمعالجة.
أما مهارات التفكير: فهي عمليات محددة نمارسها ونستخدمها عن قصد في معالجة المعلومات مثل: مهارات تحديد المشكلة، إيجاد الافتراضات غير المذكورة في النص، أو التقييم...الخ
أما تعليم التفكير فيعني: تزويد الأطفال (والكبار) بالفرص الملائمة لممارسة نشاطات التفكير في مستوياتها البسيطة والمعقدة (هي بالترتيب من أسفل لأعلى: المعرفة – الفهم – التطبيق – التحليل – التأليف – النقد) وحفزهم وإثارتهم لممارسة التفكير.
وجدير بالذكر أن هناك أنواعا مختلفة من التفكير، وكل منها له مهاراته التي يمكن تعلمها، مثل التفكير النقدي والتفكير الإبداعي بمهاراتهما المختلفة.
- ومن هذه المهارات (للتفكير النقدي):
• تحديد الهدف: تحديد الاتجاه والوجهة، مع إرشاد للتقدم.
• حل المشكلات: للموقف الذي يتطلب حلا.
• اتخاذ القرار: الاختيار من البدائل.
• الاستنتاج: استخدام الحواس لتعلم شيء بتفاصيله.
• المقارنات: البحث عن المتشابهات والاختلافات.
• التتابعات: -التسلسل - النتائج: ترتيب الأشياء وفق ترتيب محدد.
• التصنيف: عمل مجموعات من الأشياء وفق خواص مشتركة أو علامات محددة.
• إيجاد النماذج: اكتشاف التكرار.
• التنبؤ: تحديد ما سيحدث.
• الاستدلال: استنتاج المعنى من مفاتيحه (مفتاح اللغز)؛ التلميحات؛ الشواهد أو العلامات أو الأدلة.
• إيجاد الأدلة أو الشواهد: البرهان لدعم بيان معطى.
• الفكرة الأساسية: النقطة الرئيسية؛ أو الفكرة المركزية.
• تلخيص: إعادة الصياغة بتبسيط؛ أو الصياغة الملخصة.
• السبب والتأثير: تمييز الأفعال وتأثيراتها.
• الحقيقة والرأي الشخصي: التمييز بين الحقيقة والرأي الشخصي. (الحقيقة يمكن إثباتها أو إنكارها؛ ولكن الرأي الشخصي اعتقاد أو حكم).
• وجهة النظر: تحديد الوجهات المختلفة أو زوايا الرؤية المختلفة.
• اكتشاف التحيزات: إيجاد الرؤية الواحدة، أو نقطة الانحراف في الرؤية.
• تحليل: تقسيم إلى أجزاء لتحديد المعنى.
• التأليف: ابتكار جديد.
• التقييم: التحكيم، وفق محكات محددة أو معايير معينة.
- وهناك بالفعل مناهج لتعليم التفكير في المدارس، وهناك محاولات مستمرة ودءوبة لتعليم التفكير بإحدى طريقتين: تعليم مهارات التفكير، أو استخدام هذه المهارات متضمنة في المناهج الدراسية؛ أي تطبيقها داخل المناهج الدراسية. ولهذا وذاك فوائده العديدة التي لا تحصى. وأكثر هذه المناهج انتشارا منهج كورت لتعليم التفكير؛ وواضع هذا المنهج المشهور هو العالم الفذ "إدوارد دو بونو". وهو أشهر متحمس لتعليم التفكير، وقد جال العالم ناشرا منهجه وأفكاره في تعليم التفكير. وقد وضع عدة إستراتيجيات وخطوات لتعليم التفكير. وهناك مناهج أخرى وضعها أيضا دي بونو، منها: القبعات الست للتفكير.
- وللعلم، فهناك في بقعة من بقاع الأرض أشخاص أيقنوا بأهمية التفكير وتعلمه حتى أفردوا وزارة خاصة للذكاء؛ وهي في حقيقتها وزارة خاصة للارتقاء بمستوى تفكير أفراد الشعب.
وقاد هذه الوزارة مارشاد في فنزويلا، وهو يعتبر بذلك أول وزير للذكاء!.
وأعود لنقطتك الأكثر أهمية: كيف نتدارك ذلك ونطبقه دون أن يكون مدرجا في خططنا التربوية أو التعليمية، وللأسف أيضا الثقافية، الموجهة لأي من الأهل أو الطفل على حد سواء.
البداية بالفرد، والفرد فقط -في حالتنا هذه- هو القادر على المعرفة والتطبيق والتشابك مع غيره ليزيد العاملين في حقل "حفر الصخور". وكلي أمل أن يسفر حفر هذا الصخر عن كنز ثمين؛ المهم أن نتكاتف ونعرف ونطبق وننشر بكل جهد لدينا ما عرفنا؛ وأن يفسح المجال لنشر هذا الخير كأولوية على قمة الأولويات. وهو ما عبر عنه أحد المفكرين اليابانيين حين قال: "تعيش الأمم على ثروات تحت أقدامها؛ أما نحن فنعيش على ثروة فوق أكتافنا تزيد بقدر ما نأخذ منها".
ما رأيك أن تبدأ "وزارتنا" بتعليم التفكير حتى وإن لم يدرج كأولوية لأي جهة من الجهات، ونحن -كأفراد- جهة قوية، ولكن كيف نتكامل؟ وكيف نتكاتف ونؤلف وزارتنا الجديدة؟
سنحدد أولا مهام هذه الوزارة:
1- المعرفة المستمرة لكيفية تنمية تفكيرنا وتفكير أطفالنا.
2- تطبيق ما تعلمناه والبحث عن وسائل لتمكين أطفالنا وأنفسنا من مهارات التفكير.
3- نشر كل ما نتعلمه.
4- نشر كل تطبيق مفيد.
5- ابتكار طرق لنشر هذه المعرفة.
6- البحث في كيفية للتسلل المرحلي لمناطق صنع القرار؛ لتعاون في إدراج التفكير كأولوية على قمة الأولويات في التعليم والثقافة والتربية.
وفي تقديري أن ما يمكننا الآن فعله هو التواصل والتشابك والتكامل من خلال صفحتنا لنعرف وننشر قدر جهدنا هذه المعرفة:
الخطوة الأولى أن نعرف ما هي المهارات التي يجب تعلمها؛ وقد ذكرت بعضها في أكثر من موضوع متفرق: (أمة ذكية تساوي ثروة حقيقية، موهبة وتميز فض الاشتباك؛ مهارات التفكير النقدي، مهارات حل المشكلات، ...).
الخطوة الثانية: المحاولة للقراءة النشطة وللتحاور مع هذا الذي نقدمه (وهو بسيط متواضع) بالتعليق والسؤال الإضافي والربط بين ما تقرئين وبين ما تنفذين فعلا، سواء ما تنجحين فعلا في تنفيذه أو ما لم تفكري فيه من قبل أو ما تفشلين في تنفيذه؛ كذلك وضع أفكار للتطبيق على مدار اليوم مع الطفل.
وهذا نموذج بسيط للقراءة النشطة:
الموضوع الذي تقرئينه مثلا هو: مستويات التفكير الستة: اسألي نفسك: ما هي؟ (معرفة – فهم – تطبيق – تحليل – تأليف – نقد).
ثم عاودي السؤال: كيف أرقى بمستوى تفكير طفلي؛ وسجلي ما تتوصلين إليه.
مثلا: حين تقرئين قصة فدوني أسماء بعض القصص المناسبة لتُدرجيها على خططك القادمة. ثم اسأليه عن المعلومة في القصة؛ وهذا المستوى من المعرفة هو أول مستوى من مستويات التفكير وأدناها، ولكنه ضروري. ثم أسأليه سؤالا يقيس فهمه؛ ثم حاولي استدعاء ما عرفه وفهمه ليطبقه في موقف حقيقي جديد. ثم حللي الموقف لجزئيات صغيرة لتؤلفي منها شيئا جديدا. ثم حاولي وفق ما عرفنا وفهمنا أن تضعي معايير معينة للحكم على شيء ما...الخ.
الخطوة الثالثة: سجلي دوما كل جديد تحاولينه مع طفلك كنتيجة معرفية جديدة، وطبقي ذلك، وحاولي ابتكار طرق للتطبيق مثل تأليف قصة، ووضع أسئلة لقصة تقيس المستويات المختلفة. وفكري في مواقف يمكن أن تضعي فيها طفلك ليتعلم مهارة جديدة من مهارات التفكير.
الخطوة الرابعة: سجلي معوقات التنفيذ لفكرة ما أو لاقتراح ما. وسجلي إنجازك لتطبيق معرفة جديدة.
الخطوة الخامسة: أرسلي لي -وغيرك بالطبع من القراء- خطوة بخطوة كل ما تتوصلين إليه.
الخطوة السادسة: يمكننا التعليق على ما توصلت أنت وغيرك من القراء إليه والإضافة إليه والتوجيه؛ لمزيد من المعرفة والتباحث في طرق لنشر هذه المعرفة.
كما يمكننا أن نخطط معا لأنشطة إضافية لتعلم كل مهارة من مهارات التفكير، وهو ما لا يسعني دوما عمله داخل الاستشارات والموضوعات؛ وذلك لضيق المساحة المتاحة بعرض كل جزئيات الموضوع.
ولذا يمكننا أن نخرج عن حيز الصفحة لمساحة أرحب وهي مساحة ساحة الحوار حيث يمكننا التفاعل الدائم والتعليق والتكاتف من خلالها لنؤلف بحق بداية لوزارة للتفكير؛ فخبرات القراء كثيرة حقا وتستحق أن يتداولوها فيما بينهم، وهنا مكان جيد لذلك.
وأطرح سؤالا أود أن أسمع إجابات له: هل فعلا يمكننا كأفراد تغيير واقعنا؟
فكروا معنا: كيف.. كيف.. كيف؟؟؟
إلا أني أسجل مبدئيا إجابتي اليقينية هي: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". وهذا وعد حق. ولذا علينا حقا أن نستعين بالله ولا نعجز. والله المستعان
[code]