إن عقل الإنسان منفرد في قواه وقدراته في الرد على تفكيره الخاص والإستجابة له والبيوت التي لا يقضى فيها الطفل الوقت اللازم والكافي للتفاعل مع الكبار والتواصل بهم سواء أكان ذلك في البيت أو المدرسة يوقعون أطفالهم في مشاكل الاصغاء والإنتباه، إن كلمة (استراتيجية) هي مفتاح الحل لما وراء المعرفة، وهي العمليات العقلية التي يسخرها المتعلمون لتساعدهم على أن يتعلموا أو يفهموا شيئاً جديداً عليهم.
وهناك امثلة وشواهد عديدة على استخدام الإستراتيجية غير الفاعلة يمكن ان نلحظها في كل صف مدرسي. ان التلاميذ الذين يدخلون مباراة أو فحصاً لحل مسائل في الرياضيات دون أن يتوقفوا ليفكروا ما إذا كانت اجاباتهم عليها صحيحة أم لا، والقارىء الذي يسارع في قراءة الكلمات يعينيه دون ان يسأل نفسه ما إذا كان عقله قد استوعب هذه الكلمات ام لا وما تدور حوله وما إذا تشكلت لديه فكرة عامة عاما قراه تجمع شمل معاني الكلمات والفقرات الجزئية في وحدة واحدة تحت عنوان واحد ام لا، وكذلك الأطفال الذين يريقون في حصة الفن الدهان السائل أو اقلام التلوين على الورقة قبل أن يفكروا إلى أي حد هم سائرون في ذلك، وفي استعمال كل لون منها، ومدى ملاءمتها وتوافقها معاً في الشكل والحجم لتخرج منها صورة كاملة ومتكاملة لها معناها ولها دلالتها عندهم ولها وحدتها وصورتها يتخيلونها في اذهانهم والطلبة الذين يباشرون حلّ مسألة حسابية دون ربط ما فيها من اعداد وارقام ومعرفة المتطورة العلاقة التي تربط كل منها بالآخر وما الهدف من جمع الاعداد أو طرحها أو ضربها أو قسمتها هم أناس يعملون عملاً له أهميته وفائدته. ولا يصلون في ذلك إلى نتيجة حاسمة.
إن البرامج المتطورة لتدريب الآباء والمعلمين على اتخاذ استراتيجية فاعلة في عملهم وتفكيرهم يعمدون إلى ما يجري من حوار داخلي عند الطفل يحولونه إلى عمليات عقلية تفكيرية.
إننا ونحن ندرب الأطفال نعلمهم أولا ان ينطقوا عما يريدون ويفكرون بصوت عالٍ ثم نعلمهم أن يهمسوا بداخلهم عما يجول في خواطرهم بصوت أقرب إلى الهمس منه إلى الصوت المنخفض وذلك في محاولة لإيجاد صوت غير مسموع يتردد في داخله وفي ذاته متخطين في ذلك، ورامين عرض الحائط بكل ما يبعث حولنا على التشتت وصرف التفكير أو تقطيعه ليتسنى لنا أن نحتفظ بداخل ذواتنا عن فكرتنا الخاصة ونظرتنا الخاصة لما نفكر فيه ونوليه اهتمامنا وانتباهنا.
حين يقع الأطفال في مشكلة ما، فقد نعلمهم خطة يستعينون بها لحلها تتكون من أربع خطوات أو خمس كالتالية:
1- تمهل وانتظر، فكّر في المهمة التي تقوم بها، في حل المشكلة التي تتعرض لها.
2- ما الخطوات الممكنة للوصول إلى الحل؟
3- ما الخطوة الأولى في الحل؟ وكيف سأقوم بها؟
4- كيف ساواصل العمل للحل؟ واستمرّ به؟
5- توقف قليلا وانظر إلى الوراء إلى ما سبق ان قمت به من خطوات، وهل قمت بها بشكل صحيح؟ وهل تحتاج كلها أو بعضها إلى تعديل أو إلى تغيير وتبديل بناء على ما توصلت إليه من نتائج في تطبيقها.
إن الممارسة والتدرب بهذه الخطوات أمر فاعل في مساعدة الأطفال على وضع استراتيجية معقولة لحلّ ما يقع فيه من مشاكل وبشكل يبعث على الدهشة.
وكذلك الحال بالنسبة لتقويم ما نقرأ، فتتبع الأسلوب نفسه، وخطوات تقنية مشاهبة نطبقها على فهمنا لما نقرأ، وهي:
أ- هل أنا فهمت هذا الذي قرأته، وما الذي لم أفهمه ولم أستوعبه؟ وما الذي فهمته منه واستوعبته؟ هل أنا قانع بما توصلت إليه في فهمه وراض عنه؟ ما الأفكار التي لا أوافق الكاتب عليها؟ وتلك التي اوافقه عليها؟ وما الأسس التي استندت إليها في موافقته على رأيه، وتلك التي لم أوافقه عليها؟ هل استمتعت فيما قرأت؟ وما الذي امتعني وجلب نظري في الأفكار والحقائق التي قرأتها، وما تلك التي لم أجد بها أية متعة؟ ما الأفكار التي رأيت فيها تحدياً لتفكيري ودفعتني إلى التفكير؟ وما تلك التي مررت بها مرّ الكرام، ولم تثِر عندي أي رغبة في التفكير بها ومواصلة قراءاتها؟ هل الأسلوب فيما قرأت دفعني إلى الإهتمام بما أقرأ، وشجعني على مواصلة القراءة والبحث؟ وما الذي دفعني إلى إهمال ما قرأت؟ وصرفني عن المواصلة القراءة؟ ما رأيك الخاص والنظرة التي تحملها عما قرأت بشكل عام، والفكرة التي تشكلت في ذهنك عن الكاتب وعن أثر ما قرأت في نفسك وفي نفوس الآخرين أمثالك؟ ما الخصائص الأدبية التي اكتشفتها فيما قرأت وتعرفت عليها؟ هل تعرف أديباً آخر يحمل أفكارا مشابهة لها لأدباء القدامى أو المحدثين أو يشابه مع الكاتب في أسلوبه؟ ما هي اوجه التشابه بينهما؟ وما أوجه الإختلاف؟
ومن الأهمية بمكان أن نلاحظ أن جميع هذه الإتجاهات نشأت من خلال استخدامنا للغة.
لقد أظهرت الأبحاث والدراسات ان بعض الطلبة ممن يعانون من مشاكل في الذاكرة يجدون صعوبة بالغة في السيطرة على تفكيرهم، وفي تنظيم هذا التفكير وادارته.
إن المعلم المفكر قد يساعد الطالب على تصور الفكرة وتشكليها عن المادة المقروءة وعن الكاتب الذي كتبها، بل وقد يتعرف على ما عنده من خصائص واتجاهات في ادبه، وفي أفكاره بشكل، تجعل له شخصية مميزة في ذهنه لها سماتها الأدبية وأفكارها الخاصة التي تميزه عن غيره من الكاتب والأدباء وقد يساعده كذلك على فهم اتجاهات الكاتب، وما توحي به كلماته وأسلوبه الخاص من معانٍ معينة ودلالات واضحة من خلال السياق العام الذي يدرجه والأسلوب الذي يكتب به.
وعلى المعلم أن يعرف مدى الطالب وخبرته وما عنده من خلفية سابقة ومن معلومات أدبية وثقافية يعتمد عليها في فهم ما يقرأه أولا وفي قدرته على تشكيل فكرة له عما قرأة ثانيا ثم في قدرته على إصدار أحكامه ووجهة نظره الخاصة فيما يقرأ ثالثاً.
وعلى المعلم أن يقتصر في مساعدته للطالب على الحد المعقول، وضمن حد الإعتدال، فلا يبالغ في تقديم المساعدة له، أو يغفل عنها، وأن لا يتدخل في شؤونه هذه الا عند الضرورة القصوى، وإلى المدى اللازم فحسب، حتى يبقى عنده ما يشحذ به همته وينير تفكيره، ويشعر بمتعة الأنجاز في كل ما يصل إليه ليزيد من ثقته بنفسه، ومن اعتماده عليها في تصريف شؤونه، وبلورة آرائه وأفكاره وحتى لا يستسيغ لنفسه أن يعتمد على مساعدة خارجية في ذلك ويعفي نفسه من أي التزام او بذل أي جهد، حتى ولو كان ضئيلاً.
وماذا عن الإبداع
أن أي تفكير جيد وفاعل يتطلب من الفرد قدرة على تحليل الأفكار وتركيبها والموازنة بينها، ومن ثم القدرة على إصدار حكمه عليها وتقويمه لها وإذا توافرت لديه هذه المهارات يظل في حاجة إلى القدرة على التصور والتخيل وان يسير في تفكيره على أسس واضحة ومنظمة، فلا يكون في ذلك فوضويا ودون حواجز يقف عندها، ودون أهداف واضحة يعمل على بلوغها والوصول إليها، فيعرف ما الذي يريده، وكيف يصل إليه؟ ولماذا يريده؟
ومع هذا علينا أن لا نحول دون الطفل ودون أن يمارس التفكير المفتوح أي التفكير الحر الطليق وبلا حدود، ودون فكرة سابقة وان يمارس الحلول بأنماطها المختلفة اللفظية منها، وغير اللفظية والفنية فيها وتلك التي يصل إليها عن طريق الإيحاء والتلميح وليس عن طريق اللفظ والتصريح.
ويرى بعض المراقبين أن من نطمح له بالوصول إلى التفكير المبدع والخلاق، علينا أن نهتم بتنمية قدرته على التصور والتخيل، إذ ان الواضح أن التصور المبدع الخلاق ينبع من جذور عميقة في التفكير بعيد عن السطحية، وينظر للأمور بشفافية خالصة وبكل حساسية.
كما أن لأسلوب التدريس، وما يتعرض له الطالب من خبرة وتجربة صفيّة لها أثرها في حفز الطالب على التصور والتخيل، وبشكل أوسع مدى وابعد أثرا.
www.balagh.com